الكينايات

12494063_10153673381931273_1180292529_o

تقع منطقة الكينايات على مجرى نهر الأوّلي وهي مكونة من عقارات كبيرة عبارة عنبساتين مروية، تعود ملكيتها تاريخيا عدد من المالكين من العائالت الصيداوية القديمة. لكن حقوق الملكية هذه لم تتناقض مع موقع الكينايات كمشاع جماعي في المدينة. وحتى عهد قريب، لم يدرك إلا قلّة من مستخدمي الكينايات أن جزءا كبيراَ منها يتكون من عقارات ذات ملكية خاصة.  وقد توالت الأجيال على المنطقة وانتفعت منها من دون أي اعتبار لملكية العقارات أو حق إدارتها. وقد حمت القوانين ضفاف الأنهر، فالقرار رقم 144 الصادر في العام 1925 يعرّف “الأملاك العمومية” ، ويحدد الأملاك العامة النهرية على أنها “كامل ضفاف مجاري المياه أي القطعة من الأرض الكائنة على طول مجاريها والتي تمكن من السهر عليها وتنظيفها والمحافظة عليها”.

في العام 1988 بدأت عمليات شراء عقارات الكينايات في إطار مخطط للإستحواذ على كل المنطقة، حتى أصبحت اليوم مملوكة بشكل أساسي من قبل شركتي “شطآن” و”كينايات النهر”. ومنذ العام 2013  وإقرار مشروع الضم والفرز الجديد، كان لهذه المنطقة رؤى ومشاريع استثمارية قد تتناقض مع كونها مساحة جماعية متاحة للجميع. فقد قامت الشركات العقارية في العام ذاته بإخلاء المنتزهات وبناء جدار طويل حول الموقع بهدف الحد من استخدامه. والجدير ذكره أن إقفال المكان يفترض أن “مالكي العقارات” لهم الحق في منع الولوج الحر إلى الأملاك النهرية العامة، وهي بطبيعة الحال أرض متحرّكة وفقاً لكمية المتساقطات وجريان النهر.

(تعود هذه المقدّمة بالإضافة إلى القصّة الموجودة أدناه إلى كتيب “مشي ت دلّيك الذي اعدته مجموعة ديكتافون منذ حوالي 6 أشهر حول المساحات العامة وشاطئ صيدا)

النّهر نشّف ع فراقنا

قصّة عن حق التّمتّع بالطّبيعة

كتابة دعاء عفارة
1393890_607490819318543_1059105953_n
من أرشيف المصوّر هاشم مدني في المؤسسة العربية للصورة : رحلة لطالبات مدرسة عائشة أم المؤمنين الى الكنايات سنة ١٩٥٨، وتظهر في الصورة دعد بيضاوي وأنيسة فارس.
تشير الصور القديمة لصيدا، تحديدا تلك التي التقطها المصور هاشم المدني، إلى أن الكينايات كانت من المواقع الأساسية للتنزه في صيدا. كانت الأهالي يقصدونها للسيران، فتأخذ أكلها وتفرش الأرض بالحصر وتسبح، تحديداً أيام الجمعة والأحد. لم يكن الموقع مسيجاً.كانت ضفاف النهر والمساحات المحيطة به تشكّل امتداداً طبيعياً للبساتين من حولها. وأحياناً وفي وقت أزمات انقطاع المياه من البيوت، كان الناس يملؤون المياه من النهر ويوزعونها على خزانات البيوت.
“كنا نعمل كل شي بدنا ياه بدون ما حدا يقلنا مسموح وممنوع”.
-من مقابلة مع بديعة ن.
عند الجهة الشرقية للنهر حيث جسر سكة الحديد، كان الشباب يتسلقون الجسر ويتبارون في القفز في مياه النهر. وكانت بعض العائلات عند انتهاء نهارها في الكينايات تتسلق الجسر ذاته وتعود مشياً على الأقدام بموازاة خط السكة الحديدية، بين بساتين الليمون، حتى الوصول الى صيدا.
“كنا نغتري البساتين، يعني نقطف الليمون من برا البستان ونأكل. ومرات البستنجي يجط صحارة ليمون ويطعمي الناس.”
– من مقابلة مع هاشم م.
في الثمانينات، كان هناك تخشيبة غير رسميّة عبارة عن قهوة لشخص من عائلة الأسود. وفي أيام رمضان كانت العائلات الصائمة تجتمع في هذه التخشيبة، التي كانت تسمى بالمنتزه. تشرح صاحبة المنتزه قائلة:
يكونوا صايمين، يطلبوا طاولة ويجوا يفطروا ويصلوا فوق بالمنتزه عنا. وإذا كان في شي عائلة حابة تعمل عزيمة، تجيب كل الأغراض وأنا ساوي كل شي، وتروح على البيت مبيضة وجها قدام الزوار. كنا نقدم خدمات حلوة.”
ــ من مقابلة مع سعاد غ.
في الثمانينات وبعد شراء آل الحريري لبعض عقارات الكينايات بإسم شركات عقارية، قام بعض أهالي المدينة بأخذ تصاريح من آل الحريري إلنشاء منتزهات على النهر وهنا بدأ أصحاب المنتزهات بتشييد سياج حديدي حول موقع الكينايات، لكن الناس كانت تدخل وتسبح وتقضي النهار من دون أي اعتبارات.
بعد عام 1985، وبعد أول تخشيبة لعائلة الأسود، أتت العديد من العائالت ونصبت الخيام وأقامت المنتزهات. فأصبحت الكينايات عبارة عن منتزهات عديدة وكان أصحابها يأخذون تصريحاً بإقامة المنتزه من عائلة الحريري. لم يكن هناك أي جهة أخرى تعطي هذه التصاريح. وأحيانا كان صاحب تصريح المنتزه يؤجره لغيره، فكانت بمثابة عملية تجارية. وكان لكل منتزه حدود واضحة، فعندما تجلس في منتزه لا يمكنك أن ترى المنتزه الذي بجانبه. ومع الوقت قام أصحاب المنتزهات بتطويرها.
:شرحت السيدة سعاد
“صرنا كل فترة وفترة نطور المنتزه. عنجد نحنا زوّدناها. حتى وصلنا على الميّ ومدّينا عوامات وعملنا حدود قصب بين العوامات. بالبداية كانت المنتزهات بسيطة، ومع الوقت عملنا فيها حمامات ومطابخ وأماكن للصلاة. وصارت الناس ما توصل عالنهر إلا عبر المنتزهات. وصرنا ندفعهم 10 أو 15 ألف ليرة.”
كانت الناس تقصد المنتزهات من طرابلس وصور وبيروت والمخيمات الفلسطينية جميعها. تضيف سعاد:
»يجوا مجموعات بالبولمان وبالفان ويجيبوا أغراضهم معهم. وإذا ما لاقوا طاولة يقولوا بدنا حصيرة ومنقعد على الأرض. العالم بدها تشم هواء وبدها تموّه عن حالها وبدها مي. وأهل صيدا كتير بيجوا المي والفيات تحت شجر الكينا”.
مصدر الصورة : جريدة الأخبار
مصدر الصورة : جريدة الأخبار
خلال سنوات التسعينات، بعد أن أجلت بلدية صيدا معظم فانات القهوة التي كانت منتشرة على طول الكورنيش البحري القديم، قام أصحاب هذه الفانات بإقامة منتزهات في الكينايات لتأمين عيشهم مما أدى الى ازدياد أعدادها بشكل كبير.
وفي تشرين الأول 2013 تم إبالغهم عبر مصادر من قبل آل الحريري بقرار إجالاء المنتزهات. كان يتم إنذارهم بإخلاء في كل سنة، وفي النهاية جاء القرار ولم يعترض أصحاب المنتزهات. شرحت صاحبة منتزه قائلة:
»لما قالولنا لازم تتركوا المكان، كنا مفكرين أنه عم يزبطوه وبعدين رح نرجع.  وكمان خبرونا إنه رح يعطونا مكان بديل عنه. بس ما صدقوا. النهر نشف على فراقنا”.

1467400_607467249320900_1111285332_n

جاء قرار إجلاء المنتزهات من قبل المالكين الجدد لأراضي الكينايات. من بعدها، قامت الشركات المالكة ببناء جدار باطوني طويل حول كامل الموقع وتزويده ببوابة حديدية ومنعوا دخول الناس إليه، ما أثار اعتراضاً عارماً في المدينة. فتراجع المالكون الجدد تحت الضغوط وأنكروا نيّتهم الاوّلية بإغلاق المكان، وقاموا بكسر أجزاء من الجدار وإضافة أشجاركينا جديدة وفتحه للعامة مجدداً لكن مع ضوابط للدخول: أوقات الدخول والخروج، والسماح بدخول بعض العائلات فقط، وإدارة الموقع من قبل مؤسسة خاصة.
1460057_607470962653862_1983862607_n
بعد قرار الشركات المالكة ببناء جدار ومنع الناس من الدخول إلى ضفة الكنايات
536df7878f7fd
صورة من الكينايات بعد أن تم إعادة فتحها تحت إدارة مؤسسة زيدان. مصدر الصورة : saidaonline

أضف تعليق