رسالة مفتوحة الى حضرة رئيس بلديّة صيدا

ننشر هنا نص الرسالة الأصليّة المرسلة بتاريخ 13 حزيران 2014 الى رئيس بلدية صيدا. عندما لم نتلقّ رداً عليها أو حتّى تجاوباً مع مقترحاتها على أرض الواقع، أرسلناها لتنشر كرسالة مفتوحة في جريدة السفير، ليطّلع سكان المدينة على القضيّة، كونها تمسّهم جميعاً.(رابط النص كما حررته السفير ونشرته في نهاية الصفحة)

رسالة الى حضرة رئيس بلديّة صيدا المهندس محمّد السّعودي المحترم،

تحية طيبة وبعد،

نتقدّم اليك كرئيس لبلدية صيدا والمؤتمن على مصلحة المدينة في نظر سكّانها وأهاليها بطلب يتعلّق مباشرة بالمسؤوليّات الموكلة اليك بحكم موقعك وسلطتك، ويتمثل هذا الطلب في الحفاظ على مجرى نهر القملة والسعي لتنظيف النهر من المجارير التي يتم تسريبها إلى مجراه.

لقد كانت صيدا، على مرّ الزّمن، مدينة غنيّة بأنهارها ومجاريها المائية وينابيعها وقنواتها، ولكنها في العقود القليلة الماضية شهدت مشاريع بنى تحتيّة مختلفة شكلت من جهة حلاً لمشكلة المجارير والروائح المنبعثة منها ولكنها من الجهة المقابلة كانت سبباَ في إهمال هذه الثروة المائيّة الهامة حيث تمّ تقويم منعطفات المجاري المائيّة واستبدالها بقنوات اسمنتيّة مستقيمة وإخفائها تحت طرق اسفلتيّة وتحويل خطوط المجارير إليها.

وقد تسبب تنفيذ تلك المشاريع باختفاء هذه الثروة من واقع وذاكرة المدينة…

هذه المشاريع التي تمّ تنفيذها في صيدا ناتجة في الحقيقة عن تأثير سياسة تنمويّة عالميّة، بدأت في خمسينيات القرن الماضي واستمرت لعقودٍ تلت، وكانت سبباً في إخفاء العديد من الأنهار والمجاري المائية في كثير من المدن في لبنان والعالم.

وفي مطلع تسعينيّات القرن الماضي أعيد النّظر في هذه السياسة، وذلك بعد مراجعة علميّة  للنتائج السلبيّة النّاتجة عن إخفاء الأنهار والمجاري المائية من المدينة. فقد أدّت بدايةً إلى إختفاء الطبيعة من المدينة وهو أمرٌ بديهي!

والأخطر من ذلك أنّه مع توسّع المدينة وتحوّلها إلى كتل إسمنتيّة، ضاقت مساحة تصريف مياه الأمطار وازدادت بالتالي كميّات السّيول الناتجة عنها والتي باتت تتّجه بسرعة وضغطٍ كبيرين نحو قساطل اسمنتيّة مغلقة لا قدرة لها على استيعاب وتصريف هذه الكميات الكبيرة، مما أدّى إلى فيضانات في كثير من المدن حول العالم.

بعد هذه المراجعة، بادر العديد من البلديّات حول العالم الى إلغاء هذه القساطل وإطلاق سراح الأنهار ومجاري مياه الشّتاء، لتعود الطبيعة إلى المدينة ولتنمو من حولها الحدائق التي تصلح لتكون منتزهات عامّة.

وها نحن اليوم في صيدا، نرى مشكلة الأنهار هذه حيث تم تحويل مياهها لتمر تحت الارض عبر قساطل باتت في ما بعد خطوطاً للمجارير التي تدلف محتوياتها على شواطئ مدينتنا، كما حصل مع نهر عين زيتون والبرغوت.

إنّ حلّ مشكلة المجارير في مجرى القملة، يكمن في إصلاح شبكة المجارير المجاورة له في بعض قرى شرق صيدا، وهذه الشبكة تعاني من أضرار وقصور تسبّبت بتسرّب مجارير المنطقة  إلى النّهر. كذلك يجب إعادة ربط المجارير المنزليّة التي تصب في النّهر بشبكة المجارير الموجودة حولها.

وبذلك يتم تحويل المجارير عبر الشبكة إلى محطة سينيق لتكريرها ، و يعود مجرى نهر القملة نظيفاً.

نطلب من حضرتك وبكل احترام أن تأخذ بعين الإعتبار التوصيات المختلفة التي وصلتك من مهندسين مهتمّين بالتطوير المدني في صيدا، ومن مؤسّسات من المجتمع المدني، بالإضافة لتقييم المختصّين من بلدية برشلونة والجامعة الأمريكية في بيروت الذي أوصى بعدم تحويل مجرى القملة إلى قسطل إسمنتي.

كما اننا نطلب منك أن تأخذ بعين الإعتبار توصيات مشروع الUSUDS   الذي وضع إستراتيجيّة شاملة لتطوير وتنمية المدينة، التي أعلن عنها في الاجتماع العام في البلدية بتاريخ 4 حزيران 2014، وقد تبنّتها البلدية ونواب المدينة، وأوصت بعدم تحويل القسم المتبقّي من نهرالقملة، شرق خط السكّة، إلى قسطل إسمنتي كما أوصت أيضاً بتطوير أنهار ومجاري صيدا الشتوية لتكون مساحات بيئيّة وخضراء.

نطلب منك أن تظل أميناً للشعار الهام الذي أطلقته مع نواب المدينة عن أهمية تطوير منطقة الوسطاني حسب معايير بيئيّة وخضراء في سياق مشروع الضم والفرز الذي تستعدون لإطلاقه والذي يمر فيه نهر القملة.

نطلب منك أن تستجيب، كما وعدتنا في اجتماع سابق، لما عرضته الجهة المانحة من استعدادها لدراسة تحويل وتعديل تمويلها الحالي لمشروع إنشاء القسطل الإسمنتي في القملة (الذي بالمناسبة يشمل نصف المسافة المكشوفة فقط!) إلى مشروع بديل يمنع وصول المجارير إلى النهرمن الأساس. وهذا الحل هو الأجدى من الناحية التقنية وهو حلٌ شامل كونه ينهي مشكلة الروائح الكريهة على طول مجرى النهر ويحفظ لمنطقة صيدا نهرها وطبيعتها.

ندرك حرصك الكبير على الوفاء بتعهّدك الذي قطعته للسكّان المتضرّرين من الروائح الكريهة بحل المشكلة وتخليصهم من المجارير، ولكن ما ننشده هو أن يكون الحل مراعياً للمصلحة العامّة ومساهماً في تعزيز الصحّة البيئيّة للمدينة ككل.

نرفع إليك هذه المطالب جميعا وكلنا ثقة بحرصك المعهود على حل مشاكل المدينة جذريّاً وبأفضل المعايير المهنيّة والهندسيّة.

ولكم جزيل الشكر

 (ملاحظة: صُنِّف القملة تاريخيّاً على أنّه نهر أو نهر شتوي، وتُظهر الخرائط الفرنسية القديمة مجموعة من الينابيع الواقعة في مجدليون والحارة والهلالية على أنها تغذّيه وبذلك كان يعتبرأكثر من ممر للمياه الشتوية. في الكتاب أعلاه نستخدم تعبير “نهر القملة” إختصارا للكلام، ونترك جدليّة تصنيف القملة الهيدرولوجي للبحث في مساحة نقاش أخرى.)

مبادرة “للمدينة”

http://www.assafir.com/Article/3/359168

صورة لمجرى نهر الأملة
صورة لمجرى نهر الأملة
 صورة لمجرور مكسور في منطقة الحارة يصب المياه المبتذلة في مجرى نهر الأملة
صورة لمجرور مكسور في منطقة الحارة يصب المياه المبتذلة في مجرى نهر الأملة

أضف تعليق